الحقيقة معنى الاستشراق لها مدلولات كثير فهي تشمل مجموعة العلوم والمعرفة التي تناولت الشرق وهو احد اوجه الثقافة العربية الاسلامية وتاريخها وهي الفلسفة والأدب والفن والمسيقى والعمارة . بات الاستشراق ظاهرة ملموسة في القرن التاسع عشر فقد زاد الاهتمام بالشرق وحضارته في علم التاريخ والرحلات العلمية، وبعثات التنقيب عن الآثار، وترجمة القران الكريم، والأدب، والموسيقى، والعمارة، والرسم، او ما يطلق عليه بالتصوير، وظهرت العديد من الكتب العلمية حول طبيعة الشرق وتاريخه وشعوبه وحضاراته في شتى مراحلها. ويقع كلامنا على وجه الخصوص في الرسم الاستشراقي او ما يطلق عليه بالتصوير .
الهمت الخصائص البيئية والحضارية والمعمارية والانسانية التي تتميز بها الشرق الرسامين المستشرقين ، فقاموا بتسجيل دهشتهم وانبهارهم في لوحات فنية شهيرة، بعضها نقل عن الواقع مباشرة، وبعضها الآخر، نسجه الخيال الخصب المشبع باساطير وحكايا الشرق الغامض الساحر ، ومن المعتقد إن كتاب (ألف ليلة وليلة) وقصص شهرزاد، كانا اول الطريق الى الاستشراق وانتشار حركته في الغرب، بل ان مصدر الهام الكثير من الفنانين كان إسلاميا مما شاهدوه في الأندلس إضافة إلى العالم الخيالي الواسع المستمد من ألف ليلة وليلة.
تناول الفنانون المستشرقون في لوحاتهم وأعمالهم الفنية التشكيلية بشكل عام، المساجد والحارات ومظاهر الفروسية والصحارى والطبيعة والإنسان العربي بلباسه الشعبي التقليدي وتناولوا المدن كالقدس ودمشق والقاهرة وبيروت، إضافة إلى تصوير الاقنان والحريم ومشاهد الطرب المستوحاة من حكايا الف ليلة وليلة لقد رصد الفنانون الغربيون جملة هذه المظاهر، بلغة فنية كلاسيكية رصينة شديدة، الاتقان، تذكرنا بالمعلمين الكبار من الفنانين الذين وصلوا في فنهم الى تقنية عالية في تصوير الواقع، وصلت الى حد الإعجاز المدهش والمثير. ، فمنذ عام 1480 وفد الى عاصمة الدولة العثمانية الفنان الايطالي الشهير (جنتيلي بلليني) قادما من البندقية بناء على طلب السلطان محمد الثاني، وفي القسطنطينية اقام (جنتيلي) عامين لقي خلالهما الترحاب والتقدير، وعاش معالم حضارة غريبة كان يكتنفها الغموض والسر، وكانت العادات والازياء وطرز العمارة والزخرفة والنمنمات الفنية، موضوعات جديدة بقيت زاده في بلاده واصبحت مصدر الهام لكثير من الفنانين الذين جاؤوا بعده، وخاصة معاصره (كارباشيو) الذي صور متخيلا، المساجد ، كما رسم الناس بالازياء الشعبية العربية، كذلك فعل (فيرونير) عندما كسا بعض شخوصه العرب بقماش البروكار، وحاول ان يتخيل الطابع الصحيح على اقرب وجه، ولقد استهوت الملابس العربية البهية الانيقة الغربيين حتى انهم كانوا يتحلون بها او يقلدونها في لباسهم، ويبدو ذلك في لوحة الفنان (لاجيليه) او في لوحة (الكونت فيرجين) بالباس التركي.
ولقد كانت الحروب التي تمت بين الغرب والعرب مصدرا لموضوعات بعض الفنانين نذكر منهم لوحة (المدافعون عن القاهرة) للفنان (جيروده) و(المصابون بالطاعون في يافا) للفنان (لغيرو). ان الفنان الفرنسي (دولاكروا) وهو زعيم الرومانتيكيين كان اكثر اهتماما بتتبع اسرار الشرق العربي. فلقد سافر الى المغرب، الى طنجة ومكناس، والى وهران والجزائر، واقام في هذه المدن ما يزيد على خمسة شهور، يزود نفسه وخياله بما شاهده وعاشه، وقد بقي (دولاكروا) ينهل من كنوز ما ادخره في إقامته حتى نهاية حياته، تاركا أروع اللوحات الشرقية العربية.
لذا فان الشرق كان هو عالم الأحلام الذي يتوافق او يندمج في عالم الواقع، وقد سعى هؤلاء الرحالة والفنانون، عن طريق التجاوب في المشاعر، إلى التوغل في جوهر الحضارة الشرقية
. وادرك (دولاكروا) ماهية الشرق الحقيقي في اكثر عناصره غموضا وسحرا، وفور عودته الى فرنسا، شرع في رسم لوحته (نساء الجزائر) معتمدا على الذاكرة و الاستكشافات (الدراسات الاولية التمهيدية) فشخصية المرأة الشرقية، تنضح شاعرية ورهافة ورخاء شرقيا يذكرنا بعالم الف ليلة وليلة، هذا الكتاب الذي كان اول الطريق الى الاستشراق، وبالتالي فن الاستشراق الذي بات مطلوبا ومرغوبا، ليس من قبل الاوروبيين فحسب، بل ومن قبل الشرقيين انفسهم بدليل حركة النسخ والتقليد القائمة على قدم وساق، في حياتنا التشكيلية العربية المعاصرة، لروائع هذا الفن . وكان العراق بما يمتلكه من حضارات واثار الاشورية والاكدية والسومرية والجنائن المعلقة وبرج بابل والقبب الاسلامية لمراقد الائمة كان موضع اهتمام كبار الرسامين المستشرقين ابهرهم سحر بلاد الرافدين ومعالمه الحضارية الخالدة الذي يمتد الى اكثر من ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد ذروة في التنوع والتطور والابداع .
بعض الرسامين المستشرقين :-
فرديناند فيكتور أوجين ديلاكروا (فرنسي: ولد 26 إبريل 1798 - ت. 13 أغسطس 1863) هو رسام فرنسي من المدرسة الرومانسية ومن رواد المدرسة الرومانسية الفرنسية. له العديد من اللوحات الفنية المحفوظة في متحف اللوفر و غيره. من أشهر لوحاته الحرية تقود الشعب التي رسمها عام 1830م و لوحة سلطان المغرب التي رسمها عام 1845م و لوحة الجزائريات التي رسمها عام 1834م و يبدو فيها تأثره بسفرته إلى شمال افريقيا.
جان ليون جيروم (Jean-Léon Gérôme)رسام ونحات فرنسىي مشهور ، ويعد أحد أبرز المستشرقين الذين قدموا إلى الشرق العربى والأسلامى خلال القرن التاسع عشر ، ومجموعة رسوماته تتضمن رسومات ذات صبغة تاريخيه و اسطورية ولد في فيسول في 11 مايو عام 1824 و ارتحل الي باريس عام 1840 و سافر الي تركيا و منها الي مصر في اولي زياراته لها عام 1854و كتب فيها يومياته و طبعت فيما بعد في كتاب كان يقوم بتصويرالمشاهد التي تعجبه ثم يقوم برسمها فيما بعد كما كان يرسم مسودات تخطيطية للآثار التي كان يمر عليها في مصر، وقد التقي بالخديوي إسماعيل و أرسل له البوم صور فوتوغرافي هي تضمن كل أعماله الفنية و دعاه الخديوي إسماعيل مع عدد من المصورين الفرنسيين إلى حفل افتتاح قناة السويس عام 1869تعتبر لوحته "بونابرتيطل علي أبي الهول "أشهر لوحاته علي الاطلاق و ان كانت شهرتها لا تقلل أبدا من قيمة باقي أعماله و التي تعتبر آية في الإبداع الفني سواء من ناحية دقتها العالية جدا أوفي براعة تنفيذها مما يجعل من لوحاته وثائق بصريه تسهم في تعريفنا بثقافة المصريين البصرية في هذا العصر.
(FrederickArthurBridgman)
بريدجمان، فريديريك آرثر
1846 - 1928
كان بريدجمان رساما متفانيا، وعرضت لوحاته في الأكاديمية الملكية في لندن وفي نيويورك. وفي عام 1881،انتخب عضوا في الأكاديمية الوطنية الأمريكية. وكان أحد أكثر الرسامين المستشرقين إثارة للاهتمام. لم يضطر إلى بيع لوحاته كي يكسب عيشه نظرا لزواجه من سيدة أمريكية غنية، ولكنه برغم ذلك كان يرسم يوميا. وكان هاويا للموسيقى والرياضة ومارسهما بحماس. كان في الأصل على صلة وثيقة بالرسامين الأكاديميين ولكنه كان معجبا بمانيهو رينوار. وتكشف صوره عن تأثره بالانطباعيين. ولكن ما يميز بريدجمان، هو تصويره الدقيق والحساس إلى درجة متناهية للحياة الجزائرية في كافة نواحيها. ويمكن مشاهدة لوحات بريدجمان في عدة متاحف من بينها صالة كوركوران للفنون في واشنطن العاصمة ولينينجراد.
من نتائج أعمال الفنانين المستشرقين :
تعتبر لوحات الفنانين المستشرقين وثائق تاريخية مرئية لمعلم الهندسة المعمارية العربية الاسلامية واشكال المدن والقري والا سواق والازياء، وبعض العادات والتقاليد الاجتماعية في الوقت الذي انجز فيه الفنان لوحته.
وكانت حضارة العراق ليس بعيدة عن مخيلة وعشق المستشرقين وكانت لهم بصمات تسجل حضارات العراق القديمة مثل برج بابل للرسام والفنّان: بيتر برويغيل الأكبر (1525-1569) حوالي 1563
لوحة زيتيّة على لوح
الأبعاد : 114 × 155 سم
الموقع: متحف تاريخ الفن – فيينّا


Posted in:
0 التعليقات:
إرسال تعليق